د/أحمد الزلوعي يكتب :الكواكبي صوت صارخ بالحرية

د/أحمد الزلوعي

هو الإمام و المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي ( 1854-1902 م ) . ولد في حلب لعائلة تشتهر بالعلم و الفقه و احترف العمل في الصحافة وكرس حياته للدعوة ضد الاستبداد . أنشأ جريدة بنفسه لكنها أغلقت لجرأتها على النظام . رحل إلى بلدان عدة هربا من تضييق السلطات العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد حتى استقر به المقام في مصر . كانت مصر وقتها تنعم باستقلالية نسبية عن الأستانة فراح يبث دعوته الى الإصلاح و رفض الاستبداد حتى ذاع صيته و التف حوله تلامذة و مريدون .

يعتبر ( طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد ) أشهر مؤلفاته و قد ضمنه أفكاره التي سبقت عصرها فى التأكيد على مثالب الأنظمة الديكتاتورية وواجب الأمم في العمل على التخلص منها . بدأ الكواكبي كتابه بتعريفات الاستبداد الذي هو لغة غرور المرء بنفسه و الأنفة عن قبول النصيحة وهو فى السياسة صفة للحكومة المطلقة العنان التي تتصرف بلا خشية من حساب أو عقاب . و اعتبر الكواكبي ان الحاكم و لو كان منتخبا عرضة لان يتحول إلى مستبد ما لم تتمسك الأمة بحقها فى محاسبته . و يوضح بنية النظام الديكتاتوري ككل فيقرر ( الحكومة المستبدة تكون مستبدة فى كل فروعها ) و أن المستبد لا يختار رجاله إلا من أسافل الناس ( لأن الأسافل لا يهمهم طبعا الكرامة و حسن السمعة إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته ) و بالتالي ( يأمنهم و يأمنونه ) .

و قد عقد الكواكبي فصلا بعنوان ( الاستبداد و الدين ) تجلت فيه خلفيته الفقهية الواسعة فنعت رجال الدين الذين يساندون الحاكم عن تطويع الآيات و الأحاديث لخدمة الحاكم و تسويغ أوامره بعلماء الاستبداد , و قد دلل على ذلك بتفسير الآية ( يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم ) موضحا أن المقصود بأولى الأمر أهل الشأن و الرأي من الحكماء و العقلاء بخلاف ما يرى بعضهم من أنها تعنى الحاكم مما يتماشى مع روح الشورى التي جاء بها الدين و تجلت في الأمر بها ( و شاورهم في الأمر ) .

و في علاقة الاستبداد بالعلم و المال حرر الكواكبي فصلين شرح فيهما أن ( شر أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم )و أوضح أن ( تراكم الثروة المفرطة مولد للاستبداد ) .

دعا الكواكبي صراحة إلى الثورة على كل نظام مستبد ورأى الاستبداد ابتلاء لأهل الخضوع و الذلة لا توبة منه إلا الثورة التي هى كما قال توبة الأنفة . وقد رأى السبيل الى التغيير إنما يكون فى توعية الناس و إقامة المؤتمرات و تأسيس الجمعيات وصولا لتحقيق ما أسماه بالشورى الدستورية . كان تأثير الكواكبي قويا في حياته و كان جهاده صادقا مما دفع السلطات العثمانية إلى التخلص منه فمات رحمه الله فى القاهرة بعد أن دسوا له السم في القهوة و فقدت ليلة و فاته مخطوطات كتابين له لكن فكره ظل حيا فاعلا تقرأه فلا تحس أنه دون منذ ما يزيد عن قرن من الزمان و صدقت كلمته التى وصف بها كتابه و جعلها له مفتتحا ( كلمات حق و صيحة فى واد .. إن ذهبت اليوم مع الريح لقد تذهب غدا بالأوتاد ) .

بواسطة belaad بتاريخ 10 يناير, 2013 في 12:46 صباحًا | مصنفة في مقالات | لا تعليقات

اترك تعليقا