عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب : آن أن تعود

عبدالرازق الشاعر يمكنك الآن أن تعود من سنوات السديم لتخلع باب الثورة بكتفك العريض وتضحك ملء فيك من أناس خرجوا عليك ذات ثورة فلم يستطيعوا دخول أي وطن بعدك. بمقدورك أن تخرج الآن من خلف قضبان التاريخ لتمحو بأقدامك الواثقة ما نقشناه على وجه الوطن من أمنيات، وتمزق بين يديك فصلين كاملين من تاريخ أحلام اليقظة التي غرقنا فيها حتى أسافل ذقوننا. تستطيع أن تردنا إلى بيوتنا محزونين كالثكالي على وطن خرجنا نفتش عنه في فصل الربيع، فلقيناه مسجى على أعتاب الصيف يلفظ أحلامه الأخيرة.
بشرتنا يوم زففناك خارج قصرك الرئاسي بالفوضى، وخيرتنا بين التيه والخنوع، فوضعنا أصابعنا في آذاننا واستغشينا ثيابنا وأصررنا على رحيلك من تاريخنا المهين أملا في أي هواء يطاق. ورفعنا أكفنا المتشابكة فوق قدرتك على الردع، وحملنا أكفاننا فوق أذرع الصلابة ليعيش الوطن ما تبقى له من أنفاس حرا بين نظرائه. ورسمنا خرائط أحلام لأجيالنا القادمة، ووعدناهم بالمن والسلوى والعيش والحرية والكرامة.
واليوم نلقاك بوجه غير الذي ودعناك به، بأصابع مرفوعة في كل الجهات تخوينا وتأثيما وتهديدا وتكفيرا، وظهرنا ميمم شطر آثامك وأحزاننا القديمة، فقد أنستنا الخطوب الجلل في غيابك ما اقترفته يداك من آثام. فلتخرج حرا آمنا لوطن غير حر وغير آمن لتدير عقارب التاريخ عامين ونصف وتنسينا بلاهتتا القديمة وتمسح من شريط الذكريات مواويل طربنا لها حول منصاتنا العاجية، وقصورا من رمال بنيناها في ساحات مياديننا الفسيحة.
اخرج من ضيق الجغرافيا إلى رحابة التاريخ، ومن دفاتر أشعارنا إلى مقرراتنا الدراسية، وأعد وعينا المصلوب إلى أفئدتنا الخاوية. اخرج لأنك لم تعد همنا الأول ولا عدونا الأخير، فقد صارت الدماء بعدك أرخص من عصير الجوافة، والكرامة شيئا من التاريخ. عد إلى أرضنا غير المقدسة لأننا تبرأنا من ثورتنا وتنكرنا لصهيلنا القديم وخلعنا آمال الحرية من رؤوسنا كأسمال بالية وألقيناها بلا خجل في وجه الأمل. وأدركنا أن الخير فيما اختاره الطغاة لأنهم يرون ما لا نرى ويعلمون ما لا نعلم.
اخرج وأمامك كل أبواب القضاء مفتحة، فلتختر أيها شئت، لأنك لست أشد إجراما من جلاديك الذين لووا أعناق القوانين حتى تنسجم مع ياقتك البيضاء وعرشك القديم. اخرج على شعب أهنته قدر ما تستطيع وثار عليك قدر ما يستطيع بوجك الباسم ونظرتك الواثقة لأنكما اليوم في الظلم سواء وفي الجرم شرق. فقد استحل شعبك بعدك البطش والعنف والبغي، وأظهروا في الأرض الفساد.
ارجع لشعب تمرد على القهر بسيف التسلط، وحول الميادين الثائرة إلى هيشات أسواق يبيعون فيها كل غث من أفكار معوجة ومذاهب فاجرة وجالسوا بلاطجة التاريخ فيها على موائد رمضانية عامرة ليحاربوا تاريخهم الحديث ويتنكروا لأزياء حفلة ثورة تنكرية سرعان ما انفضت بعد أن ضاقت بنواياهم الخبيثة. اليوم يكفيك شعبك سيوف شعبك، ويحمي ظهرك الثائرون من رفاق الثورة، لأنك تحولت في زمان التية إلى رمز استقرار غاشم.
فلتهبط بطائرتك العمودية فوق صدورنا التي وثقت ذات غفلة ببيارق الثوار وحناجر السياسيين اللاهبة. اليوم تضع الثورة أمام عتبة قصرك المنيف أوزارها وتعلن انسحابها من كافة ميادين الحلم وتسلم لجامها لأحكام البلاد العرفية ودستورها الجديد. لن يسقط بعد اليوم حاكم وإن احتشدت لإسقاطه الحشود، ولن تفرز صناديق الديمقراطية إلا الجراد والقمل، ولن تعرف الميادين إلا مسيرات التأييد والمساندة.
ولا عزاء لكم أيها الجالسون على حواف التاريخ تمضغون أحلامكم الطوباوية بمجتمع فاضل ومواطن حر وعيشة كريمة. لا عزاء لمن يحملون أكفانهم ويتقدمون فوق جسر العناد مطالبين بعودة القانون إلى الوراء. ومرحبا بقنواتنا الفضائية الخالدة التي تعلمنا الرقص حتى صلاة الفجر، وتقود ثورتنا الناعمة حتى السقوط. مرحبا أيها الثوريون جدا، والصامتون جدا والبائسون حتى النخاع بعودتكم إلى أرض الواقع المهين والدعوات التي لا تجاب والدموع التي لن ترتفع يد رحيمة لتجفيفها. ووداعا أيتها الثورة التي سقطت فوق أرضنا كشهاب، واحترقت قبل أن تصل إلى أبواب دساتيرنا الظالمة.

بواسطة belaad بتاريخ 24 أغسطس, 2013 في 09:17 مساءً | مصنفة في مقالات | لا تعليقات

اترك تعليقا