محمد فرعون يكتب : العدالة الإنتقائية والدخول في الممنوع

فرعون

 وكما أن هناك مواقع سياحية على أرض مصر ممنوع على المصريين دخولهــــا في دهب وشرم الشيخ وغيرهمـــــــا ( لأسباب قد تكون مقبولة ) ، فهناك أيضا وظائف أصبحت محرمة على فئة ليست قليلة من الشعب المصري هم أبناء العمال والفلاحين ، ليست هذه مزحة وإنما حقيقة صادمة أكدهـــــــا النائب الأول لرئيس محكمة النقض المستشار احمد علي عبد الرحمن في لقاءه مع الاعلامي مجدي الجلاد في برنامجه التليفزيوني المسائي ( لازم نفهم ) قبل أيام ، حيث أكد سعادة المستشار على أنه لن يتم تعيين أبناء عمال النظافة في القضاء حتى لو حصلوا على تقدير عالي لأن القضاء حساس شوية ………
يأتي هذا التصريح مواكبا لإستبعاد (138 ) شابا من الذين تقدموا لوظائف معاوني النيابة ، وتم قبولهم بالفعل وفقا لقوائم الأسماء التي أعلنهـــــــا مجلس القضاء الأعلي في 24 يونية 2013 م ، وحصلوا بالفعل على إشعارات تفيد قبولهم في تلك الوظائف ، لكن تسارع الأحداث السياسية في مصر وما تلاهــــــا من أحداث ثورة ( 30 ) يونية 2013 م أجل إلإعتماد النهائي لتلك القوائم ، ثم رفض الرئيس المؤقت عدلي منصور إعتمـــــــــادها وأعادها للمراجعة مرة أخرى حيث تم إستبعاد هؤلاء الشباب نتيجة إشتراط مجلس القضاء حصول الأبوين على مؤهل عال ، مما دفع المستبعدون الى تنظيم عدة وقفات إحتجاجية أمام المجلس وقصر الاتحادية إعتراضا على إستبعادهم .
وهنا نتساءل هل ورد نص في الدستور الحالي أو الدساتير السابقة له يؤكد على إستبعاد أبناء العمال والفلاحين أو غيرهم من فئات الشعب الذين لم يحصلوا على مؤهلات عليا من التقدم لوظائف القضاء ؟ ، لو وجد هذا النص ( رغم علمي بعدم وجوده ) فإن الدستور في هذه الحالة لايساوي قيمة الحبر الذي كُتب به ولا الورق الذي طٌبع عليه ، لأنه دستور غير عادل ، وهل يوجد في القوانين المصرية الأخرى بخلاف الدستور ما يمنع أبناء العمال والفلاحين من التقدم لمثل هذه الوظائف ؟ ، وهل مهنة العامل أو الفلاح أصبحت مجرمة في القانون المصري ( ونحن لاندري ) وبالتالي لا يحق لأبنائهم التقدم لشغل تلك الوظائف ؟
بالتأكيد لا يوجد في الدستور الحالي ولا في الدساتيــــــر السابقة ولا في أي قانون مصري ما يمنع أبناء العمال ولا الفلاحين من التقدم لأي وظيفة في الدولة بما في ذلك القضاء ، ولكن كما ذكر سعادة المستشار : حسبما استقر وجرى عليه العرف ، ليصبح العرف في مصر أقوى من الدستور ، وهو عرف ظالم يتناقض مع أبسط قواعد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وحقوق الانسان ، كما أن مثل هذا التوجه إستنادا الى عرف ظالم يكرس لعودة مقيتة الى نظام الطبقية البغيض الذي كان سببا من الأسباب الجوهرية لقيام ثورة يوليو 1952 م ، كما يفهم من بين السطور وبطون الكلمات التي صرح بها سعادة المستشار معاني لا يليق أن تنسب الى العامل أو الفلاح ، لما في ذلك من إهانة لهمــــــا وإساءة الى جموع الشعب المصري بما في ذلك القضاء .
عندما تتم المفاضلة بين شخصين لإختيار أحدهمـــــــــا وهمـــــــا متفقان في كل الشروط ويستبعد أحدهمـــــــا لأن أبيه عامل أو فلاح فهذا نوعا جديد من التمييز لايوجد له مثيل إلا في مصر فقط بعد أن إختفى أو كاد التمييز حسب اللون ، ليعود مرة أخرى في مصر ولكن هذه المرة حسب مهنة الأب .
قامت في مصر ثلاث ثورات إتفقت جميعهـــــــا في أهم مبادئها وهو العدالة الإجتماعية والمساواة بين أبناء الشعب ، كما حرصت ثورة يوليو 1952 م على أن تخصص للعامل والفلاح (50% ) من مقاعد مجلس الشعب إعترافا منهــــــــا وتقديرا لهذه الفئة من الشعب ، وإعادة لحقهم المغتصب في زمن أسود لا يمكن أن يعود مرة أخرى ، فإذا كان المجلس الذي يضع التشريعات ويسن القوانين (50% ) من مقاعده للعمال والفلاحين ، فكيف نمنع أبنائهم من العمل في القضاء الذي يقوم بتنفيذ هذه التشريعات والقوانين .
القاضي عندما يحكم في قضية هل يأتي حكمه وفقا لنصوص القانون أم وفقا لقناعاته الشخصية بعيدا عن نصوص القانون ؟ ، كما أن هناك حيثيات للحكم توضح الأسباب التي استند اليهــــــــا القاضي في حكمه وفقا لنصوص القانون وليس وفقا لإنتماءاته السياسية أو الدينية أو العرقية أو مهنة والده .
وكما أن الجميــــــع أمام القانون سواء لا يفرق بينهم لا لون ولا دين ولا مهنة ، فهم أيضا أمام وظائف القضاء أو غيرهــــــــا من وظائف الدولة سواء طالما خلت أوراق المتقدم مما يخل بالأمانة أو الشرف أو الأخلاق وفقا لحكم قضائي مثبت ، وليس وفقا لعرف جائر قد يكون سببا في دفع البعض ممن أصابت نفوسهم أوجاع القهر واليأس والإحباط نتيجة لغياب العدالة ( في نظرهم ) الى الإرتماء في أحضان أصحاب الإرهاب الأسود للإنتقام من المجتمع الذي لم ينصفهم ، ثم نتعجب بعد ذلك ونتساءل عن سبب انضمام الشباب الى تلك الكيانات الإرهابية .
رئيس الجمهورية أعلى منصب إداري في الدولة وأخطره على الإطلاق لم يكن يوما لأبناء الباشاوات أو الوزراء ، ولم يكن من ضمن شروطه ، فبإستثناء الرئيس محمد نجيب الذي تخرج أباه من مدرسة الحربية ، فقد كان والد الرئيس جمال عبد الناصر وكيلا لمكتب بريد باكوس ، ووالد الرئيس محمد أنور السادات كاتبا في المستشفى العسكري التابع للجيش المصري في السودان ، وكان والد الرئيس مبارك موظفا في محكمة طنطا ، ووالد الرئيس محمد مرسي كان فلاحا ، حتى الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يكن والده من الحاصلين على مؤهل عال ( وفقا للجارديان البريطانية ) .
الفلاح هو طينة الأرض الطيبة التي تنبت الخير لمصر ، والعامل هو ترس المصنع الذي ينتج الخير لمصر ، ومجتمع العمال والفلاحيــــن ليس مجتمع ملائكة ، كما أنه أيضا ليس مجتمع شياطين ، مثله مثل أي فئة أخرى من فئات الشعب المصري لا يخل من الصالح ولا من الطالح ، فلا يبرر ذلك عزلهم وإستبعاد أبنائهم من التقدم لأي وظيفة في الدولة دون أن ينطبق ذلك على باقي فئات المجتمع المصري بكامله تحقيقا لمبدأ العدالة والمساواة .
القضاء في مصر هو حصن العدالة وملجأ المظلومين وأصحاب الحقوق المغتصبة ، فإذا إهتز ميزان العدالة في حصن العدالة فإلي من يلجأ أصحاب المظالم والحقوق وهؤلاء (138 ) شابا المستبعدين ، وإذا كانت معايير الإختيار لدينا قد نفذت وعجزنا في أن نجد معايير أخرى عادلة ومنطقية ، فما ذنب هؤلاء الشباب في تحمل نتيجة هذا العجز ؟ 
عندما تكون العدالة إنتقائية فقد فقدت جوهرها وهو المساواة وتحولت الى مسخ يحمل أسماء مختلفة ليس من بينها العدالة .
ثورات ثلاثة قامت في مصر ولازلنا نبحث عن العدالة ، فهل تحتاج العدالة الى ثورة رابعة لإقرارهــــــا وتحقيقهـــــــــا ؟ 

بواسطة belaad بتاريخ 27 أكتوبر, 2014 في 07:53 مساءً | مصنفة في مقالات | لا تعليقات

اترك تعليقا