كلمة وزير الخارجية أمام اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقى حول موضوع المصالحة الوطنية فى أفريقيا

وزير الخارجية

السيد/ مراد مدلسي وزير خارجية الجزائر الشقيق ورئيس مجلس السلم والأمن الأفريقي،
السيد/ تيودروس ادهانوم وزير خارجية إثيوبيا الرئيس الحالي للاتحاد الافريقي
السيد/ رمضان العمامرة مفوض السلم والأمن الأفريقي،
السيدات والسادة الوزراء ورؤساء الوفود،
السادة الحضور،

أود بداية أن أتقدم إلى الجزائر الشقيق بخالص الشكر على حفاوة الاستقبال، وأن أعرب عن التقدير لمبادرتكم بعقد هذا الاجتماع الهام، كامتداد لاحتفالات الذكرى الخمسين لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية/ الاتحاد الأفريقي، لبحث موضوع المصالحة الوطنية التى تُشكل مرتكزاً رئيسياً لجهود تسوية النزاعات فى أفريقيا ومعالجة جذورها، حيث يوفر نقاشنا هذا فرصة لمواصلة تقييم ما تحقق من إنجاز على صعيد تسوية النزاعات في أفريقيا، ولطرح تصورات حول سبل تعزيز جهود تسوية هذه النزاعات والخروج بتوصيات تُشكل أساساً لعمل مؤسسى يحقق التكامل بين جهود المصالحة الوطنية وما هو قائم من آليات فى إطار بنية السلم والأمن الأفريقية.

السيدات والسادة،
إن الأزمات التي شهدتها عدد من دول القارة مؤخراً تعزز من إدراكنا للترابط الوثيق بين إرساء السلم والأمن وتحقيق التنمية في الدول الأفريقية، وتدعو إلى تطوير آليات إدارة وتسوية النزاعات والوقاية من اندلاعها، كما تجعل من الضروري تبني منظور شامل يأخذ بتجارب المصالحة الوطنية فى سياق جهود الاتحاد الأفريقي لمعالجة الأسباب التي تؤدي لاندلاع الأزمات والنزاعات في أفريقيا، خاصة وأن تجارب تسوية النزاعات فى أفريقيا وخارجها أثبتت أن الاعتماد على الخيار العسكري وحده في التعامل مع ما قد ينشأ من مشاكل لا يؤدي إلى إنهاء النزاعات، بل وفي أحيان كثيرة ينتج عنه تفاقم هذه الأزمات وانتقالها إلى دول مجاورة.
لذا، فإن جهود المصالحة الوطنية لابد وأن تمضى متلازمةً مع مساعي حفظ السلام وتثبيت الاستقرار واستعادة الأمن، وفق منظومة شاملة تتناول الأبعاد السياسية والأمنية والتنموية. وذلك من خلال مشاركة كافة الأطراف السياسية، التى تؤمن بالحوار

وتلتزم بنبذ العنف، فى عملية سياسية شاملة تحافظ على وحدة النسيج الوطني في إطار من احترام حقوق الإنسان والتعددية والأسس الديمقراطية وسيادة القانون. واسمحوا لي في هذا الإطار أن أشير إلى عدد من النقاط:
– إن قارتنا تمتلك خبرات ثرية وتجارب ناجحة بعدد من الدول في مجال المصالحة الوطنية ساهمت فى ترسيخ الاستقرار والديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية. وترى مصر أهمية الاستفادة من هذه التجارب فى إطار جهود تسوية ما هو قائم من نزاعات في عدد من مناطق القارة، وصولاً للتسوية الدائمة والأمن والسلام المنشودين.

كذلك، فإن ما تشهده بعض دول القارة من تحديات أمنية هو نتاج أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة الأبعاد أفضت إلى انتشار العنف والجماعات المسلحة والجريمة المنظمة العابرة للحدود، مما يدعونا لمعالجة هذه الأوضاع، من خلال الحوار وتلبية الاحتياجات التنموية لشعوب القارة، بما يسهم فى معالجة جذور الأزمات وليس أعراضها.
كما أن مكافحة الفقر والتهميش واحترام حقوق الإنسان إلى جانب كونها التزامات على الحكومات تجاه مواطنيها فإنها تمثل أحد ركائز المصالحة الوطنية، ومن الهام أن تتضافر جهودنا لتمكين الدول المعنية من تلبية هذه الاحتياجات.

إضافة إلى ما سبق، فإن جانبا مما يتم من جهد دولى لتسوية النزاعات الإفريقية يقتصر على إدارتها دون وجود رؤية واضحة لكيفية تسويتها نهائياً، مما يؤدي إلى استمرار العديد من نزاعات القارة، بل وتجددها، رغم كل ما يبذل من جهد. وعليه، فإن العبء يقع على أفريقيا لطرح حلول شاملة لمعالجة جذور النزاعات، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بمرحلة ما بعد النزاعات، بما يحقق التكامل بين محاور السلم والأمن والتنمية والحوكمة وحقوق الإنسان.

السيدات والسادة،
إن مصر تدعم جهود المصالحة الوطنية كأساس لتحقيق تسوية دائمة للنزاعات فى مالى والكونغو الديمقراطى والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا بيساو، وفيما يتعلق بمالي فإن مصر تساند جهود أفريقيا للاضطلاع بالدور الأساسي فيما يتعلق بإرساء السلام الدائم ودعم الاستقرار وبناء المؤسسات الديمقراطية، وفق رؤية شاملة تحقق مصالحة وطنية جامعة وتأخذ بالأبعاد التنموية والسياسية للأزمة، بما فى ذلك اعتماد خريطة الطريق الانتقالية وتشكيل اللجنة الوطنية للحوار والمصالحة وعقد الانتخابات المرتقبة في يوليو 2013. ولعل الاتفاق الذي تم توقيعه يوم 18 الجاري بالعاصمة البوركينية واجادوجو هو خطوة هامة على صعيد المصالحة الشاملة مع الجماعات التى تنبذ العنف حفاظاً على وحدة مالي وسلامة أراضيها ونسيجها الوطني.

كذلك بالنسبة للصومال، حيث دائماً ما تؤكد مصر على أهمية مواصلة دعم بناء مؤسسات الدولة الصومالية كأساس لنـجاح جهود المصـالحة وتدعيم الاستقرار وإرساء سلطـة الدولة. كما تدعم مصر جهود تحقيق السلام والأمن فى جمهورية الكونغو الديمقراطية وتساند المسار السياسى الجارى لمعالجة الأزمة فى شرق الكونغو، بالتوازى مع جهود بعثة الأمم المتحدة لتثبيت الاستقرار، فى ضوء ما قد يمثله ذلك من فرصة للتوصل إلى حل دائم يحقق المصالحة ويعزز من جهود تحقيق الاستقرار بمنطقة البحيرات العظمى.

كما أود أن أشير إلى أهمية استمرار دعم جهود المصالحة فى غينيا بيساو، وتضافر الجهود الإفريقية لدعم بناء مؤسسات الدولة ومساندة العملية الانتقالية الجارية هناك. كما نرحب بمساعى المصالحة الشاملة واستعادة الشرعية الدستورية وتثبيت الأوضاع الأمنية فى جمهورية إفريقيا الوسطى، من خلال خريطة الطريق للمرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس وطنى انتقالى، وصولاً لإجراء انتخابات حرة بمشاركة مختلف الأطراف.

السيدات والسادة،
إن إيلاء مزيد من الاهتمام لموضوع المصالحة الوطنية يتطلب تركيزاً موازياً على تعزيز قدرات دعم الوساطة فى إطار هيكل الاتحاد الإفريقى وإنشاء آلية مؤسسية مستقلة للتعامل مع الموضوع. وكذلك بالنسبة لجهود بناء السلام وإعادة بناء مؤسسات الدولة من خلال دعم سياسة الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية فى مرحلة ما بعد النزاع، كأساس لا غنى عنه لترسيخ الأمن والاستقرار والمصالحة الوطنية المنشودة.
وإنى لعلى ثقة فى أن اجتماعنا اليوم سيُشكل خطوة هامة على طريق تعزيز جهود التسوية السلمية للنزاعات فى القارة، مؤكداً دعم مصر لكل ما شأنه تعزيز قدرة الاتحاد الإفريقى على العمل الجماعى المشترك لمنع اندلاع النزاعات وتسويتها بالوسائل السلمية، وصولاً لتحقيق الديمقراطية والرخاء والاستقرار فى مختلف أنحاء القارة.

السيدات والسادة،
لا يفوتني في ختام كلمتي أن أشير إلى أن الحديث عن تجارب المصالحة الوطنية في أفريقيا يستدعي إلى الذكر أحد الرموز الأفريقية الخالدة، الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، الذي ستظل حياته دوماً دليلاً على أن المصالحة، والتمسك بالقيم والمبادئ الإنسانية، وإعلاء المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار، هي سبيل الأمل لشعوبنا، وطريقها إلى المستقبل المشرق الذي تستحقه. وانتهز هذه المناسبة، لأعرب عن صادق أمانينا ودعواتنا له بالشفاء العاجل.
أشكركم جميعاً.

بواسطة belaad بتاريخ 29 يونيو, 2013 في 07:47 مساءً | مصنفة في مصر | لا تعليقات

اترك تعليقا