د/ أحمد الزلوعي يكتب حرية التعبير بين المصادرة و المغامرة

حملت بدايات القرن العشرين إرهاصات مشروع تنويري واعد لم يقتصر على الجهود الفكرية عند شبلى شميل و انطون فرح و عبد الله النديم وغيرهم فحسب و إنما تجلى في خطاب ديني مستنير على يد الإمام محمد عبده (ت 1905) . اعتمد الخطاب التنويري بشقيه الفكري و الديني الحرية مفتاحا للنهضة حيث نص الإمام على أنه ( لا وطن إلا مع الحرية ) كما جاء في مذكراته و تأتى حرية التعبير فى القلب من الحريات التي سيظل مشروع التنوير المصري ينشدها عبر عقود حتى يومنا الحاضر . و قد لاقى الإمام العنت من مخالفيه و على رأسهم السلطة الحاكمة آنذاك و المتمثلة في الخديوي عباس الثاني و كيف لا و قد صرح الإمام بأن ( الخليفة في الإسلام مدني من كل الوجوه و أن للأمة الحق في خلعه متى رأت في ذلك مصلحتها ) . كذلك دفع الثمن من جاءوا بعده فقد قامت الدنيا على الشيخ على عبد الرازق بسبب كتابه ( الإسلام و أصول الحكم ) ( 1925 ) و كذلك على طه حسين لكتابه ( في الشعر الجاهلي ) ( 1926 ) , فأما على عبد الرازق فقد تعارض ما جاء في كتابه عن الخلافة مع رغبات الملك فؤاد وقتها بعد انقلابه على دستور 1923 و حله البرلمان المنتخب فقامت هيئة من علماء الأزهر و بالإجماع بإخراج عبد الرازق من زمرة العلماء مما ترتب عليه فصله من القضاء . وأما طه حسين فقد قدم إلى النيابة التي برأته و لكن الحملة اشتدت ضده حتى صدر قرار بنقله من الجامعة إلى وزارة المعارف و لما رفض تنفيذ القرار أحيل إلى الاستيداع مما دفع لطفي السيد رئيس الجامعة وقتها إلى الاستقالة اعتراضا على قمع حرية البحث و التعبير . وبعد 33 عاما ستشهد رواية نجيب محفوظ ( أولاد حارتنا ) نفس المصير حيث منعت من النشر عام 1959 .

في النصف الثاني من القرن و مع تنامي حركات المد الأصولى تغيرت أساليب قمع حرية التعبير تماما فلم يعد الأمر مقتصرا على فصل الكاتب و مصادرة الكتاب و إنما دوت عام 1992 طلقات تخترق صدر فرج فوده ثم كانت محاولة اغتيال محفوظ ذبحا بالسكين في أكتوبر 1994 وكان مما أثار دهشة الجميع أن الشاب الذي هاجم محفوظ لم يقرأ له كتابا و قد صرح بدوافعه ( لأني أنفذ أوامر أمير الجماعة و التي صدرت بناء على فتاوى الشيخ عمر عبد الرحمن ) كما روى الكاتب محمد سلماوى . لم يعد الخوف من مجرد مصادرة العمل و فصل صاحبه و إنما أصبح الأمر مغامرة تهدد حياة الكاتب نفسه

اليوم و بعد ثورة يناير العظيمة سمعنا المتحدث باسم حزب النور السلفي يصف أدب محفوظ بأنه يشجع على الرذيلة فيما يؤكد كثيرون من رموز التيارات الأصولية احترامهم لحريات التعبير وبين هذه الصوت و ذاك نراقب ما ستسفر عنه الأيام مؤمنين بأن الواقع أصدق أنباء من معسول التصريحات

 

 

 

بواسطة belaad بتاريخ 1 يناير, 2013 في 04:22 صباحًا | مصنفة في مقالات | لا تعليقات

اترك تعليقا