شريفة حمدى تكتب : لحظة الأفراج

شريفة

كم أنت غالى يا نسيم الحرية عندما أستنشقت ريحقك بعمق أنفاسى عندما فتح باب قفص الإتهام داخل قاعة محكمة الأسرة لأخرج منه بعد أن أمضيت عشر دقائق بداخلة عقوبة حبس لتصويرى سيف القضاء المتربع على عرش منصة العدالة. عشر دقائق مضى فيها عمرى أمام عينى كشريط سينمائي ، تعلقت سيئاتى و ذنوبى بأهداب جفونى محدثة ثورة ذكريات برأسى و زخم مشاعر كاد أن يفتك بقلبى. رحلتى داخل قفص الأتهام بدأت بضحك هستيرى و ذهول إذ عصف بى تهديد الشرطى بقوله لى نصا و لفظا بأداء تمثيلى رائع مصحوب بضحكة سعادة على وجهه غير مسبوقة و كأنه ينتقم بسخريته منى (( هتدخلى القفص و لا أنزلك الحجز مع بتوع الأداب )) و فى غمضة عين وجدت نفسى داخل القفص باكية بكاء جنونى خنق أنفاسى و كادت الدموع تحرق وجهى ليس حزنا لكن قهرا من أهلك يا مصر. و فى مقابل تلك المعاملة الرديئة مدت يد العون لى و انا منزوية فى زاوية القفص لأهدىء من روعى و بدأت أغرق فى بحر أسئلة أمطرت ذهنى. من المتهم الحقيقى؟ ربى هل قلبت معادلة الإنصاف؟ عشر دقائق كانت كفيلة بارتعاش روحى إذ كيف لبريئ أن يغدو متهما؟؟ أما المتهمين المتكلبشين خوفا منهم على حياة الأبرياء أبتعدوا عنى بضعة خطوات و تجاذبت معهم حديث خاطف فأشعرونى بالأمان أكثر ممن هم خارج القفص المنوط بهم حمايتى لا أهانتى. عندما سمعت قضيتهم شعرت أن الله أهدانى سبق صحفى لا عقوبة. و فى محاولتهم المحترمة لتهدئتى و التى أشكرهم عليها نادوا على عامل البوفيه و أبتاعوا لى زجاجة مياه و كوب شاى و أوصوا بالنظافة أستشعارا منهم بأن لا تليق بى القذارة و همس المتهم الأول للمتهم الثانى فى أذنه قائلا (( شكلها بنت ناس ملهاش فى البهدلة)) فسألت المتهم الأول: تهمتك إيه؟ المتهم الأول: غرامة كهرباء. أنا: يعنى إيه مش فاهمة؟ المتهم الثانى: غرامة 50 جنيه. أنا: أنت خريج إيه؟ المتهم الأول: بكالوريوس تجارة. أنا للمتهم الثانى: و أنت خريج إيه؟ المتهم الثانى: ليسانس حقوق. المتهم الأول موجها سؤاله لى و حضرتك يافندم؟ أنا: بكالوريوس إعلام. المتهم الثانى موجها سؤاله لى هو حضرتك تهمتك إيه؟ أنا: تهمتى نجدة ملهوف بشهادة الحق فأتيت لأشهد و الله العظيم أقول الحق و لا أقول غير الحق. تهمتى إنى أتيت لأشهد أنها أستلمت قائمتها الزوجية التى كسرت بها ظهر قائمة أسرتها. تهمتى إنى أخاف الله و نفسى لوامة و أخاف حساب يوم لا ينفع مال و لا بنون. تهمتى إنى أحب أخى و أبنه من عصبه. تهمتى إن ضميرى الحى لا يسمح لى بالتدليس و الغش. تهمتى أنى عمة مصرية وجودى و العدم سواء فى قانون الأحوال الشخصية المصري. و فجأة صاح العسكرى (كفاية كلام ) فرد عليه المتهمين (أبعد عنها ملكش دعوة بيها) فطلبت منهم أن يكفوا عن الشجار معه و كفاهم ما بهم و كم أذهلنى رد أولادك يا مصر… ((مبقتش فارقة كتير دخلنا القفص و خلاص، هيحصل إيه تانى، كل حاجة بقيت عادى)) و قبل أن أذرف دمعة ثانية على حالهم فتح باب القفص لأخرج تاركة أصدقائى المتهمين المحترمين خلفى و لكنى أبدا لن أنسى شهامتهم التى أنقرضت خارج القفص و استرددت جوالى سبب حبسى على الرغم من عدم وجود أى تعليمات بمنع التصوير و لم تكن الجلسة منعقدة بالأساس. و حقا اود التوجه بالشكر لمن تسبب فى هذه التجربة الصادمة لأنها أظهرت الأصيل داخل قفص الأتهام الذى دافع عنى و هو لا يعرفنى و أظهرت الحقير خارج قفص الإتهام الذى تشمت فى على مواقع التواصل الأجتماعى و تباهى بفرحته فى مصيبتى و هو يعرفنى. و هنا تتدافع تساؤلات وجب الوقوف عندها يامصر هل لحظة أمسك بى العسكرى على باب القاعة و زلزل صراخه أركان المحكمة و كأنى أرهابى مفخخ بحزام ناسف فتسبب فى دخولى قفص الإتهام… هل خرقت القانون؟ هل أصبح شاهد الحق مجرم؟ هل أصدقائى المتهمين الذين حامونى داخل القفص هم مجرمينك الحقيقين؟ هل خنتك عندما شعرت بهيبة سيف قضائك فأردت الأحتفاظ بصورة منه لنفسى؟ يا مصر….. كل هذا ثوانى معدودات فى رحلة العشر دقائق. يا مصر…….. قولى كيف أصبح الأبرياء متهمين فيكى؟ قولى كيف أصبح المجرمين شرفاء فيكى؟ قولى لماذا تأخذين ثأرك من محبينك؟ قولى لماذا يطيب لكى أغراقى فى دموعى؟ قولى كيف أحبك بهذه القوانين؟ يا مصر……… ستظلى تحتلين عرش مشاعرى و لكنى أتخذت منكى مكانا قصيا لحين ترفعين سوط عذابك عنى. يامصر…… كبدتينى عشر دقائق مرعبة أصبحوا خلاصة وجع العمر. يا مصر…..لقد جفت آخر دموعى فيكى. شكرا لقانون الأحوال الشخصية المصرى. شكرا لقانون الأحوال الشخصية المصرى.

بواسطة belaad بتاريخ 3 مارس, 2018 في 03:36 مساءً | مصنفة في مقالات | لا تعليقات

اترك تعليقا