غادة عبدالرحيم تكتب : كلب الهانم…

غادة عبدالرحيم

 اقترب موعد التصويت على الانتخابات و ها هي سلمى جالسة تسترجع أسوأ ذكرياتها في سفارة بلدها في إحدى الدول العربية ..فلقد أرهقتها القوانين في تلك الدولة بعد أن قرروا تحويل كل الوظائف للمواطنين و لم يكن لها نصيب منها على الرغم من زواجها من أحدهم و هي أم لمواطنين ..تنفست الصعداء و شعرت بالفخر و الاعتزاز بعد قبولها في سفارة بلدها كسكرتيرة للسفيرة، والتي كانت بمثابة طوق النجاة لها و لأسرتها خاصة بعد تعثر زوجها ماليا بسبب تعرضه للنصب و الاحتيال من شريكه و صديق عمره ..قابلتها السفيرة و مستشارها بكل دبلوماسية مرحبة بها و تم تعينها على وجه السرعة لتبدأ مهام عملها على الفور ..و لم تكن تعتبرهم زملاء عمل فقط بل بمثابة عائلتها الثانية التي تلجأ إليها في حالة المساس بها …كما كان من المفترض أن يكون…و مع أول يوم للعمل اسطدمت بالبيروقراطية حيث احتلت الألقاب دولاب العمل و التفخيم كان أكبر من مشاكل المواطنين …فكانت اول التعليمات لها بالتعالي و العبوس في وجه من تقابلهم فلا مجال للتعاون كل يعمل بمفرده و في معزل عن الآخر ..و مع تهالك الأدوات المستخدمة في العمل أصدر مساعد السفيرة أوامره بشراء غيرها و لكن الهانم التي كانت دوما خلف أبواب مكتبها ارتأت أن تكتفي باستئجارها..على الرغم من ارتفاع التكلفة و لكنها أوامر الهانم التي لا تقبل النقاش لتضيع أسابيع أخرى قبل أن تقرر شرائها، أما في اليوم التالي فوجئت أنها السكرتيرة الخامسة التي حلت محل أخريات تم استبدالهن دون سابق إنذار و دون أسباب واضحة إلا أنها أوامر الهانم أيضا ، و لقد نال بعضهم التنكيل و المساس بسمعتهن في غيابهن ليكون هناك مبرر لقرارات الهانم الفجائية .و في اليوم الثالث تعثرت سلمى في براثن الواسطة و المحسوبية حيث طلبت منها تعديل حجز الطيران لها دون أن تدفع غرامة بسبب مرض كلبها الذي احتل قائمة جدولها في ذاك اليوم،بل انها الغت العديد من المواعيد من أجله و كان ذلك شبه مستحيل في موسم الذروة و الرحلات الصيفية و حينما قررت سلمى أن تتبع القنوات الشرعية و عدم استخدام الواسطة لأنه ضد مبادئها، و ألزمت السيدة الفاضلة بالدفع من جيبها الشخصي كما تنص القوانين و اللوائح تحولت المعاملة و قررت الإلقاء بها في وظيفة أشبه بالأرشيف تلقى عليها الملفات و الأعمال من كل جانب دون تنسيق من الأطراف المعنية ..على مكتب صغير بجوار مطبخ السفارة لتسمع عامل البوفيه يتمتم ببعض الكلمات الحانقة، ألقى عليها السلام فأجابته. .و قال لها في نبرة منكسرة سوف يعاقبني الله فنظرت إليه بدهشة و سألته عما حدث فأجابها. ..نحن في رمضان في هذا الشهر الفضيل و قد انتهت ساعات الدوام الرسمية و اقترب موعد الإفطار و نحن هنا جميعا ننتظر الهانم أن تنتهي من تناول غدائها الذي قدمته إليها بنفسي..فهدأته سلمى قائلة أنه مأمور بذلك لا ذنب عليه و قد تكون غير قادرة على الصيام لأسباب صحية فتمتم بحنق أن هذه التي على مشارف الستين تتمتع بصحة جيدة و لا يمنعها أي شيء عن الصيام و على الرغم من ذلك فهي حرية شخصية و لكن ما ذنبنا أن ننتظرها حتى تفرغ من الغداء و نحن صائمين! ! أكملت سلمى عملها و قد كان بين يديها وثائق في منتهى الحساسية و قد تعجبت من تغيير العديد من السكرتيرات دون التفكير في أمن السفارة و العاملين بها، فلن يتحلى جميعهن بنفس القدر من الحكمة و الحرص. في اليوم السابع فوجئت سلمى بأخرى لتحل محلها لتعلم لاحقا أنها الأخرى تم استبدالها و بلا أسباب رغم تعرضها لنفس المشاكل في نفس البلدة و رغم علم السفيرة و مساعدها بتلك المشاكل إلا أن أسرع حلولهم الخلاص منها و من مشاكلها لتظهر الهانم متأنقة في وسائل الإعلام و قد اعتلى وجهها الدهشة لعدم لجوء المواطنين لسفارتهم! خرجت سلمى من ذاك المكان و قررت عدم العودة إليه مهما كلفها الأمر حتى يتم تغيير تلك الوجوه الجامدة لأخرى تمثلهم و يمثلونها ، حتى تعلو مصالح المواطنين مصالح كلب الهانم.

بواسطة belaad بتاريخ 15 مارس, 2018 في 12:04 مساءً | مصنفة في مقالات | لا تعليقات

اترك تعليقا